القلق هو عرضٌ نفسي يتميز بوجود شعور بالتوتر، ويصحبه عادةً أفكارٌ قلقلة وتغيرات فسيولوجية وعضوية مثل ارتفاع ضغط الدم أو تسارع ضربات القلب.
اضطراب القلق هو مشكلة نفسية تتميز باقتحام متكرر للمخاوف والأفكار القلقة مما قد يؤدي إلى تحاشي مواقف معينة بسبب الخوف مما قد يحدث، وإن كان مقتنعا بأن احتمال حدوث ما يخشاه، احتمال بعيد. الأعراض العضوية التي قد تصاحب القلق، كثيرة، من ضمنها التعرق أو الرعشة أو الدوخة أو التنميل في الأطراف، أو الخفقان، والشعور بقرب الموت، أو فقدان العقل، أو تسارع ضربات القلب.
قد يكون القلق ردة فعل طبيعية تجاه أمر معين، لكنه أحيانا قد يكون اضطرابا نفسيا يرهق المصاب به فلا يستطيع معه المصاب بالقلق مواجهة مهامه اليومية. حدوث القلق قد يكون استجابة نفسية طبيعية عند مواجهة موقف معين أو عند انتظار خبر ذا أهمية. لكن في بعض الحالات قد تكون هذه الاستجابة مفرطة، أو غير منطقية، أو أن تكون استجابة بلا مؤثر، كأن يشعر الشخص في غرفة جلوسه أمام التلفاز بالشعور الذي يشعر به من يمشي على حافة هاوية، فيصبح القلق عندها عائقا يمنع المصاب به -المرأة أحيانا بشكل أكبر من الرجل- من ممارسة حياته وأنشطته اليومية بشكل طبيعي. وعندما تتكرر هذه الاستجابة النفسية المفرطة تسمى هذه الحالة باضطراب القلق.
وتنقسم اضطرابات القلق طبيا للأقسام التالية حسب الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية في نسخته الرابعة (DSM IV-TR): فهناك اضطراب القلق العام واضطراب نوبات الهلع واضطراب القلق الناتج عن الصدمات وكذلك الوسواس القهري بأنواعه والرهاب الاجتماعي والرهاب المحدد واضطراب القلق الناتج عن مرض عضوي واضطراب التوتر الحاد وأخيرا اضطرابات القلق الناتج عن الإدمان. ولكل نوع من أنواع اضطرابات القلق خصائص تميزه عن بقية الاضطرابات وطريقة علاجه تميزه عنها.
تعتبر اضطرابات القلق من أكثر الامراض النفسية شيوعا عند البشر. فعلي سبي المثال، في حين يتعرض ما يقرب من 49% من عامة الناس لنوبات خوف غير مبررة نجد أن ما يعادل 25% من هؤلاء مصابون بالفعل بأحد اضطرابات الرهاب. ويأتي الرهاب الاجتماعي في المرتبة الثانية حيث يصيب ما يعادل 13% من الناس. أما اضطراب القلق العام فيصيب ما يقرب من 5% من الناس في حين أن اضطراب نوبات الهلع يصيب 3.5% من الناس.
(1)
يوجد لاضطرابات القلق مسببات سلوكية واجتماعية ووراثية وبيئية وتختلف نسبة تأثير هذه العوامل من نوع لآخر ومن شخص لآخر.(1)
قد يتمكن القلق من المصاب به فيجعله أكثر تشاؤما وقد يجعله يتوقع الأسوأ دائما مما يصعب عليه القيام بأعماله اليومية وإنجاز مسؤولياته كما يجب.
من المهم للمرأة معرفة أعراض وعلامات اضطرابات القلق بشكل عام حتى تستطيع المرأة طلب المساعدة من المختصين لتتخطى هذا الاضطراب وتتمكن من ممارسة حياتها بشكل طبيعي.
ماذا نعني باضطراب القلق العام؟
يتميز اضطراب القلق العام عن غيره من اضطرابات القلق بأنه قلق مستمر ومفرط ومبالغ فيه من دون وجود أي اسباب مقنعه لحدوثه مع صعوبة السيطرة عليه، بحيث يؤثر على قدرة الشخص للقيام بأنشطة حياته اليومية في معظم الأيام لمده ستة أشهر على الاقل. المصابون باضطراب القلق العام غالبًا ما يكونون متشائمين ويتوقعون الأسوأ في مواقف كثيرة، ويبالغون في القلق إزاء أمور الحياة اليومية مثل الصحة، الأسرة، والعمل والمال. من المعتقدات السائدة، والتي تؤيدها الأبحاث والملاحظات السريرية، أن النساء يحضرون إلى العيادات بشكاوى تتعلق بالقلق أكثر من الرجال. ليس من المؤكد ما إذا كانت نسبة تعرضهم أكبر، أم أنهم أكثر حرصا على طلب المساعدة والتخلص من القلق.
ماهي أسباب اضطراب القلق العام؟
يعد العامل الرئيسي المسبب لاضطراب القلق العام مجهولا إلا أنه يوجد هناك نظريات علمية تفترض أن حدوثه له علاقة بتفاعل عدد من العوامل منها:
• عوامل وراثية.
• عوامل بيئية.
• عوامل لها علاقة بطبيعة النمو ونمط الشخصية.
ماهي أعراض اضطراب القلق العام؟
المرضى المصابون باضطراب القلق العام عادًة ما يكونون قلقين بشأن أنفسهم أو عائلتهم أو وظائفهم.
من أعراض القلق العام:
1. عدم الارتياح والشعور بالقلق.
2. التعب والشعور بالخمول بسرعة.
3. صعوبة التركيز.
4. الشد العضلي. وقد يؤدي هذا إلى الصداع عندما يصيب عضلات الرقبة، ومنطقة الرأس.
5. اضطرابات في النوم.
6. توتر دائم.
كيف يشخص اضطراب القلق العام؟
يستخدم “الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية” كدليل مرجعي لتشخيص الأمراض النفسية ومنها اضطراب القلق العام عند الكثير من الأطباء. وبحسب الدليل، هناك علامات تستخدم في تشخيص اضطراب القلق العام، كأن تكون المرأة تعاني من قلق شديد من عدة أمور لمدة تزيد عن ستة أشهر، أو أن يكون لديها صعوبة في التحكم بهذا القلق، وأن يكون القلق شديًدا بحيث يؤثر على حياتها اليومية، وأن يكون هذا القلق غير مصاحب لأي مرض نفسي أو حالة طبية أو تعاطي أدوية.
هناك عدة أعراض إن ُوجد منها ثلاثة أو أكثر لدى المرأة تزيد احتمالية إصابتها باضطراب القلق العام،
وهذه الأعراض تتضمن: الخمول، عدم الشعور بالاسترخاء، صعوبة في التركيز، العصبية، شد في
العضلات، ومشاكل متعلقة بالنوم. كما أن اضطراب القلق العام قد يكون نتيجة لمرض آخر، ولهذا يقوم
الأطباء عادة بعمل تحاليل أخرى.
لماذا يتم تشخيص اضطراب القلق العام في النساء أكثر من الرجال؟
في أحيان كثيرة تكون المرأة أكثر عرضة لضغوط ومسؤوليات الحياة اليومية، مما يجعلها أكثر عرضة للإصابة بالقلق. ومن ناحية أخرى، قد يكون لاختلاف التوازن الكيميائي في دماغ المرأة عما لدى الرجل دور مهم في حدوث القلق، حيث تقترح بعض الدراسات أن هرمون السيروتونين، أو ما يسمى بهرمون السعادة، يفرز بنسبة أعلى وبشكل أسرع عند الرجال مقارنه بالنساء مما قد يلعب دور في زيادة نسبة القلق والتوتر عند النساء. سبب آخر قد يزيد من القلق عند المرأة وهو الاختلاف الهرموني الناتج عن الدورة الشهرية، وكذلك عند الحمل والولادة، خاصة هرمون الاستروجين. وهناك أيضا مؤثرات اجتماعية وثقافية وبيئية تواجهها المرأة باستمرار في العمل والمنزل تساعد على زيادة التوتر والقلق. فعلى سبيل المثال، بعد ضغط العمل تعود المرأة للمنزل لتهتم بشؤن عائلتها، و لكنها نادرا ما تأخذ القسط الكافي من الراحة الذي يحتاجه جسمها.
ما هو علاج اضطراب القلق العام؟
هناك نوعان من العلاج لاضطراب القلق العام: علاج نفسي سلوكي وعلاج دوائي. للحصول على الفائدة
القصوى من العلاج، الأفضل استخدام العلاجين معا.
العلاج النفسي السلوكي الإدراكي:
ويعتبر علاجا فعالا لاضطراب القلق العام. يتطلب العلاج النفسي التعامل مع طبيب، أو مختص نفسي للمساعدة من تخفيف أعراض القلق. يعتبر العلاج الادراكي السلوكي أحد أنجح الطرق لعلاج اضطراب القلق العام. يرتكز العلاج الادراكي السلوكي على تعليم المريضة مهارات تمكنها من العودة تدريجيا الى النشاطات التي كانت تمتنع عنها بسبب الخوف أو القلق، وبالتالي تقل أعراض اضطراب القلق العام. وهو يعتمد على شقين: ١-محاولة تغيير الأفكار (الإدراك)، أملا بأن يتغير السلوك والمشاعر، ٢-محاولة تغيير السلوك، أملا في أن تتغير الأفكار والمشاعر تبعا لذلك.
العلاج النفسي التحليلي:
وهو علاج نفسي طويل الأمد، يعتمد على محاولة فهم سبب حدوث القلق بالنسبة للشخص، والتأمل في المشاعر والتجربة الإنسانية، والعلاقات الحميمية، والشخصية، التي تدور حول هذه الأعراض القلقة، ومنها ما قد يكون تسبب بالقلق، أو تأثر به، أو أخفاه، أو أبرزه. هذا النوع من العلاج يعتمد على الفكرة القائلة بأن كل شخص هو كيان نفسي مستقل، ومختلف جدا عن غيره ولو تشابهت الأعراض. في العلاج السلوكي أعلاه تكون هناك خطة علاجية لعدد جلسات محددة متشابهة لكل نوع من الاضطرابات، بينما في العلاج التحليلي، يكون الهدف الأساسي فهم الشخص، ودوافعه ومشاعره التي تخصه وحده. أي أنه، لا توجد أفكار خاطئة في العلاج التحليلي. كل فكرة تكون فكرة جديرة بالفهم والتأمل، وهناك سبب لوجودها في نفسية الشخص المعني.
العلاج الدوائي:
هناك أنواع عدة من الأدوية تستخدم لعلاج اضطراب القلق العام، على المريضة التواصل مع الطبيب
المعالج للتعرف أكثر على فائدة الدواء وأعراضه الجانبية. من الجدير بالذكر التنويه على فعالية العلاج الدوائي العالية عند الكثر من المرضى حينما يكون خيار استخدامه مدروسا بعناية من قبل الطبيب المختص.
تغيير نمط الحياة:
بالإضافة إلى العلاج الإدراكي السلوكي والعلاج الدوائي الذي قد تحتاجه المريضة للتحكم في القلق، فإن تغيير نمط الحياة قد يصنع فرقا واضحا. هذه الطرق تساعد في التخفيف من أعراض اضطراب القلق العام:
• ممارسة الرياضة: يعتبر النشاط البدني وممارسة الرياضة بصورة منتظمة لعدة أيام في الاسبوع مفيد جدا في التخفيف من الضغط النفسي كما تساعد في تحسين المزاج والصحة بصورة عامة. إبدائي ببطء ثم زيدي تدريجيا من قوة وكمية التمارين الرياضية.
• الامتناع عن تعاطي المهدئات بغير وصفة طبية: لأنها تزيد من حدة القلق.
• التوقف عن التدخين وتخفيف الكافيين أو الامتناع تماما عنه: النيكوتين والكافيين يزيدان من حدة القلق.
• استخدام أساليب للاسترخاء: مثل ممارسة اليوغا والتأمل تساعد في التخفيف من القلق.
• أخذ قسط كافي من النوم: يعتبر النوم من العوامل المساعدة على التغلب على القلق، إذا كان هناك مشكلة في النوم، يجب استشارة الطبيب.
• الغذاء الصحي: تناول الخضروات والفواكه الطازجة، الحبوب الكاملة والأسماك قد تساعد في التخفيف من القلق.
كيف يمكن التعامل مع قريب يعاني من اضطراب القلق العام؟
إصابة أحد من أفراد العائلة باضطراب القلق قد يكون له أثر على جميع أفراد الأسرة. من حالة إلى أخرى، تختلف التحديات التي قد يعيشها الشخص وبذلك يختلف الأثر على الأشخاص المقربين منه. لكي يكون لك أثر إيجابي ومساعد في حياة الشخص المصاب باضطراب القلق عليك:
• القراءة عن الحالة.
• تحديد الأشياء التي تحفز نوبات القلق عند الشخص القريب، وإعطاء المصاب دورا فعالا في البيت والعمل بحيث تقتصر أنشطته على الأعمال التي يرتاح لفعلها دون إصابته بنوبة قلق. بهذا يكون الفرد فاعلا رغم القلق ويتم تخفيف العبء على الأشخاص من حوله بتنسيق المهام بهذه الطريقة.
• تشجيع الشخص المصاب على حضور جلسات العلاج النفسي التي ينصح بها الطبيب. ولأخذ دور فعال أكثر يمكن الحضور مع الشخص المصاب إلى الجلسة لأن كثيرا من الأطباء اليوم ينصحون بجلسات العلاج النفسي مع العائلة أو مع صديق.
• محاولة تفهم الحالة وتقديرها وعدم انتقاد الشخص ووصفه بأنه لا عقلاني أو متشائم.
• سؤال الشخص المصاب عما يحتاجه وما يزعجه.
• وضع أهداف بسيطة ومنطقية تساعد الجميع على ملاحظة مدى تحسن الشخص مع العلاج مما يبعث الأمل ويساعد على الاستمرار.
• احترام الشخص، ومرئياته عن طرق العلاج والطريقة التي يرغب في مواجهة الأمر بها، وعدم فرض أي نوع من أنواع العلاج عليه، أو إغراقه بالنصائح السطحية التي تفترض أن المعالج أو الصديق أو القريب يعرف بالضبط ما يجب على الشخص عمله ليتحسن.
نقطة مهمة عن القلق وعلاجه:
• القلق تجربة بشرية، وتحديد ما إذا كانت الاستجابة “مفرطة” لأمر ما، فهو أمر يخضع لعوامل عدة لها علاقة بالقيم الشخصية وما يؤمن به المجتمع من معتقدات ثقافية أو دينية. فعلى سبيل المثال، لن يقبل مسلمون من بوذي، أن يعتقد بأن قلقهم من فوات وقت السحور في رمضان مثلا، قلق مبالغ فيه. كما أن البوذي لن يقبل أن يقول مسلم، بأن قلقه لأنه أكل لحم بقرة مقدسة، قلق غير منطقي. وقس على ذلك الأمور الشخصية. على سبيل المثال، من مشاكل تقنية العلاج المعرفي السلوكي ما يسمى ب”الأفكار الخاطئة”، وهي تشمل مشكلتين أساسيتين، وهي في أنها تفترض وجود فكرة صحيحة بديلة، وأيضا، في أن هذا النوع من العلاج لا يتأمل في أسباب حدوث هذه ال”فكرة الخاطئة”. لتعرف كيف تدل شخصا على الطريق، لابد أن تعرف كيف وصل إلى مكانه، حتى تعرف كيف يمكن أن يصل إلى المكان الجديد الذي تقترحه. لكن على الرغم من هذا تظل تقنية العلاج المعرفي السلوكي نافعة للتحكم في “السلوك”، وإن كانت أقل فعالية عندما تحاول التحكم في الأفكار. لأن الشخص لم يبدأ بالقلق لأنه كان مقتنع بأنه شيء جميل. فيصبح الحل بهذا الفهم، إقناعه بأنه مضر ولا بد من تجنبه.
الفكرة هنا، أن يعرف الشخص، أن قلقه رحلة شخصية، وأنها قد تتعقد وتصبح أسوأ لو سمع نصائحا غير مهنية، أو قابل معالجا غير مؤهل بما يكفي. وأنه من المهم جدا أن يعرف الشخص أن الأفكار البشرية للحد من القلق تشعبت وتكاثرت عبر التاريخ، وعبر علوم مختلفة وثقافات مختلفة. وأن تقبّل القلق بصورة تروّضه قد تكون أفضل من مدافعته الدائمة والشعور بأنه مشكلة نفسية معتبرة.
ومن المهم جدا أن يتذكر قريب المصاب باضطراب القلق ألا يهمل نفسه في سبيل مساعدة المصاب، ولكن عليه الاستمرار في حياته والاستمتاع بها حتى تكون لديه الطاقة الكافية لمساعدة المصاب باضطراب القلق. كما يفضل أن يطلب القريب المساعدة من بقية الأقرباء أو المشاركة في جلسات الدعم النفسي للمصابين باضطراب القلق فهذا قد يخفف الكثير من الأعباء على الشخص المصاب ومن حوله. والأهم بالتأكيد هو طلب المساعدة من أصحاب الاختصاص.
في النهاية، يجب ان تتذكري اننا كلنا معرضون للقلق من حين الى اخر، فالقليل من القلق امر طبيعي، وايضا تذكري انه لا بأس في ان تستشيري الطبيب ان شعرتي أنك في حالة قلق مستمر، فعلاجات القلق فعالة وقد تساعد في تحسن حالتك كثيرا.
مراجعة علمية
د. متعب العنزي
Bibliography
1. Kessler RC, Demler O, Frank RG, Olfson M, Pincus HA, Walters EE, et al. Prevalence and treatment of mental disorders, 1990 to 2003. N Engl J Med. 2005 Jun 16;352(24):2515–2523.
قائمة المصادر:
• مصدر ١
• مصدر ٢
• مصدر ٣
• مصدر ٤
فريق العمل/المؤلفين:
• شهد الكاف
• هيفاء الداود
• نوف كدسه
• نور الهداب
• ندى القحطاني
• بسمه الرشيد
• ديمه الراشد