يتعامل كل فرد منا مع الأحداث والصدمات التي يعيشها بطريقة مختلفة. غالباً ما نحاول تخطي هذه الأزمات أو نسيانها حتى نستطيع ممارسة حياتنا. لكن في بعض الأحيان قد يبقى لهذه الصدمات والأحداث أثرا لا ندركه، فليس كل ما نعيشه اليوم من مشاعر وأحاسيس ، وردود أفعال يكون بسبب ما يحدث لنا في الحاضر، لأن الصدمات القديمة أحيانا تجد طريقها لعقولنا ومشاعرنا وقد تظهر بطريقة غير مباشرة، ولكنها قد تؤثر على حياتنا اليومية بقوة، حتى بعد فترات طويلة.
حادث السيارة الذي حدث منذ أعوام طويلة وظننتِ أنك قد نسيتيه ولكنك بدأت تحلمين به كثيراً، ردة الفعل الغاضبة التي تشعرين بها رغماً عنك عندما يذكر لك أحد حدثاً مؤلماً صار قبل عدة أشهر. كل هذه القصص تندرج تحت اضطراب قلق ما بعد الصدمة، وسيتم في هذه المقالة مناقشة هذه الحالة وذكر أعراضها وسبل التحكم بالأعراض والعلاجات المتاحة.
ما هو اضطراب كرب (أو قلق) ما بعد الصدمة؟
الخوف هو ردة فعل طبيعية تحصل للإنسان في مواقف مخيفة أو مواقف قد تهدد سلامته أو حياته. التعرض للخوف قد يؤدي إلى حدوث تغيرات فسيولوجية كثيرة في الجسد تساعد الإنسان على أن يكون في حالة تأهب بدني ونفسي للدفاع أو تفادي الخطر وكذلك التهيئة نفسياً لاستشعار الأمر المخيف وتجنبه في المستقبل. يبدو أن هذا التأهب، هو محاولة جادة، لحماية الشخص من الأضرار المستقبلية.
اضطراب قلق ما بعد الصدمة هو اضطراب يحدث على خلفية موقف صادم أو مخيف أو خطر. فالمصابون باضطراب قلق ما بعد الصدمة قد يصيبهم الخوف والهلع بشكل متكرر، حتى في ظل عدم وجود مسبب مباشر للخوف وهذا الاضطراب يصيب النساء بنسبة أكبر من الرجال.
ماهي أعراض اضطراب قلق ما بعد الصدمة؟
أعراض اضطراب قلق ما بعد الصدمة تبدأ عادة خلال شهر من التعرض للصدمة، ولكن يختلف ظهور الأعراض من شخص لآخر فقد تظهر بعد عدة أشهر أو قد تظهر بعد عدة سنوات عند البعض. وتختلف شدة الأعراض من شخص لآخر، فقد يتعرض شخص لنوبات حادة تليها فترة خالية من الأعراض، وقد يكون هناك من لديه نوبات مزمنة، ولكن من المعتاد أن تظهر في جميع الحالات عدة سلوكيات أساسية وهي:
- استشعار التجربة المؤلمة من جديد: وقد تكون على هيئة كابوس، فيه معايشة وتكرار لنفس التجربة المؤلمة أو على شكل ومضات ذهنية من ذكريات سريعة تتعلق بتلك التجربة المريرة وقد يصاحبها أعراض جسدية مثل غثيان أو تعرق أو ارتجاف أو آلام جسدية.
- سلوك التهرب: ويشمل محاولة نسيان الموقف وتفادي الحديث عنه وتجنب كل ما يمكن أن يذكر بالتجربة المؤلمة مثل الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء.
- فرط في المشاعر: سهولة الجفول أو الشعور بالمباغتة، والغضب السريع، والأرق، وعدم القدرة على التركيز، وكذلك التوتر المتكرر.
ماهي مضاعفات اضطراب قلق ما بعد الصدمة؟
من المهم جدا زيارة الطبيب والبدء في العلاج حتى لا تستمر الأعراض الأولية بالتطور لتصبح أكثر تعقيدا وحتى لا يصبح تأثيرها أكبر على حياة الشخص اليومية.
من المضاعفات أو التعقيدات التي قد تحصل:
- كما ذكرت سابقاً أنّ من الأعراض الشائعة أن يحاول المصاب تجنب الذكريات السيئة وكل ما يذكره بها، ومن مساوئ هذه الرغبة أن المصاب قد يلجأ إلى المهدئات بسبب ذلك، أو قد يلجأ للمخدرات وأحيانا حتى المشروبات الكحولية مما قد يؤدي إلى الإدمان وتفاقم المشكلة.
- قد يصاب الشخص بالإحباط، وقد يتطور هذا الإحباط إلى حالة اكتئاب.
- قد يصاب الشخص باضطرابات القلق الأخرى مثل اضطراب نوبات الهلع.
التأخير في العلاج قد يؤدي إلى ظهور الأعراض في أوقات حرجة، كأن يتذكر الشخص الأحداث الصعبة وهو في مكان العمل مما قد يجعله يشعر بالحرج من الذهاب إلى العمل في اليوم التالي خوفا من تكرر الأمر، ثم تتراكم المواقف والمشاعر السلبية حتى يصبح الشخص عاجزا ماديا واجتماعيا عن مساعدة نفسه. لكن كلما طلب الشخص المساعدة مبكرا، كلما استطاع التحكم بالأعراض واستطاع الحفاظ على حياة مستقرة.
لماذا تميل النساء للإصابة به أكثر من الرجال؟
تميل النساء إلى الإصابة باضطراب قلق ما بعد الصدمة أكثر من الرجال بالضعفين ويعود ذلك لأسباب عدة منها أسباب سلوكية، وفسيولوجية، وثقافية بالإضافة لأسباب أخرى. وأيضا هناك أسباب نفسية مثل كون النساء أكثر عرضة للأذى النفسي والجسدي مثل ضحايا الاغتصاب، حيث أن التحرش الجنسي يعد من أكثر الأسباب التي تؤدي إلى اضطراب قلق ما بعد الصدمة. أغلب النساء يتأثرون بتلك العوامل أكثر من الرجال مما يؤدي إلى اصابتهم بنسبة أكبر.
ماهي اسباب اضطراب قلق ما بعد الصدمة؟
اضطراب قلق ما بعد الصدمة عادة ما يكون متعلق بتجربة تعرض لها الشخص أو حتى رآها أو سمع عنها، وهذه التجربة قد تكون متعلقة بوفاة أو إصابة أو انتهاك جسدي أو جنسي. حدوث اضطراب قلق ما بعد الصدمة، من عدمه، بعد التعرض لتجربة صادمة يكون بالعادة مرتبط بعوامل عدة:
- كأن يكون الشخص معرض وراثيا للإصابة بأمراض نفسية مثل الاكتئاب والقلق.
- أو أن يكون الشخص قد تعرض لصدمة نفسية قوية في السابق في سن الطفولة مثلا.
- كما يعتمد أيضا على عوامل أخرى لها علاقة بنمط الشخصية ومزاج الشخص.
- ويعتمد أيضا على طريقة تنظيم الدماغ للهرمونات والمواد الكيميائية التي يطلقها الجسم عند الإجهاد والتوتر النفسي.
- وقد يعتمد على ما يحدث بعد الصدمة، وطريقة الخروج منها، وعلى تعامل الآخرين مع هذه التجربة، كما أنه قد يرتبط بجودة النوم.
ما هو علاج اضطراب قلق ما بعد الصدمة؟
يساعد علاج اضطراب قلق ما بعد الصدمة في عودة المصاب لممارسة حياته بشكل طبيعي. يرتكز علاج هذا الاضطراب على العلاج النفسي السلوكي ولكن قد يحتاج الكثيرين للأدوية كذلك. استخدام كلا العلاجين معا يساعد في التغلب على أعراض اضطراب قلق ما بعد الصدمة، كما يمكن المصاب من تعلم بعض المهارات للتعرف على الأعراض المصاحبة لاضطراب قلق ما بعد الصدمة، وبالتالي يساعد على الشعور بالتحسن وتزويد المصاب بطرق تمكنه من التغلب على الأعراض إذا ظهرت مرة أخرى. كما يساعد العلاج النفسي والدوائي في التعامل مع المشكلات المتعلقة بالصدمة التي حدثت مثل الاكتئاب، القلق وإدمان الأدوية المهدئة.
العلاج النفسي السلوكي:
هناك عدة أنواع من العلاج النفسي مثل:
- العلاج المعرفي السلوكي (وقد يسمى العلاج الإدراكي السلوكي): يساعد العلاج الادراكي في التعرف على طريقة التفكير التي تجعل المصاب أسيرا لتبعات الصدمة النفسية، مثل وجود طرق سلبية أو خاطئة في فهم أو إدراك المواقف المختلفة. يستخدم العلاج السلوكي في علاج اضطراب قلق ما بعد الصدمة. ومنه العلاج بالتعريض، الذي يعتبر أحد أنواع العلاج السلوكي.
- العلاج بالتعريض: يساعد هذا العلاج السلوكي في مواجهة الخوف الذي أصاب المريض من الصدمة بطريقة آمنة لكي تستطيع التعامل مع الصدمة بطريقة فعالة. أحد طرق العلاج بالتعريض هو تعريض المريض الى برنامج واقع افتراضي يمكنه من الدخول مرة أخرى الى أحداث الصدمة كمحاولة لإبطال مفعول الهلع الذي حصل عند المرور بالتجربة. ومن أبرز ما يفيد به هذا النوع من العلاج، هو العودة لممارسة الحياة الطبيعية، وعدم تجنب تجارب طبيعية بسبب ما تثيره من الذكريات. مثلا، شخص تعرض لحادث انقلاب، وأصبح لا يستطيع أن يقود مرة أخرى. في هذه الحالة يتم التعريض، مثلا، بقيادة سيارة في واقع افتراضي، ومن ثم قيادتها بالتدريج في ظروف نموذجية قبل الخروج لشارع مزدحم، أو طريق سريع.
- اعادة معالجة حركة وحساسية العين: عبارة عن استخدام العلاج بالتعريض بدمجها مع سلسلة من حركات العين الموجهة والتي تساعد في عملية معالجة ذكريات الصدمة. من غير الواضح للمختصين كيف يعمل هذا النوع من العلاج، ولكن الأبحاث في مجملها تشير إلى فوائد محتملة لهذا النوع من العلاج، قد تتعلق بالاسترخاء، وتجاوز القلق الناتج من التجربة.
- العلاج النفسي التحليلي: لا يتعرض جميع من يمر بتجربة صعبة، بهذا الاضطراب، كما أسلفنا التعرض لاضطراب قلق ما بعد الصدمة، قد يرتبط بعوامل هامة، من ضمنها التعرض لصدمات قوية سابقة، كصدمات مرحلة الطفولة، ومن ضمن العوامل أيضا، نمط الشخصية، والتركيب النفسي للشخص. لهذه الأسباب، العلاج النفسي التحليلي الذي يتفحص معنى الصدمة، وعلاقتها بالأحداث السابقة في حياة الشخص، ومعنى الموت، والمشاعر المرتبطة به، هو أحد أنواع العلاج لاضطراب قلق ما بعد الصدمة.
جميع طرق العلاج تساعد في اكتساب مهارات التعامل مع آثار الصدمة. بإمكان المريض أن يناقش الطبيب المعالج في اختيار نوع العلاج أو استخدام أكثر من نوع من العلاجات المناسبة لحالته. بالإمكان كذلك استخدام علاج فردي أو علاج ضمن مجموعة مرت بظروف مشابهة. فالعلاج مع المجموعة قد يساعد المريض في التعرف على الحالات المماثلة لحالته، ويشعره بأنه ليس الوحيد التي تعرض لمثل هذه الصدمة.
العلاج الدوائي:
هناك عدة أدوية تساعد في الشفاء من اضطراب قلق ما بعد الصدمة الى جانب العلاج النفسي، مثل الأدوية المضادة للاكتئاب والأدوية المضادة للقلق والتي تساعد بشكل كبير على التغلب على أعراض الاكتئاب والقلق المصاحبة لاضطراب قلق ما بعد الصدمة. هناك أيضا أدوية متخصصة في محاولة التقليل من الكوابيس التي يصاب بها الشخص أثناء النوم.
بإمكان المريض أن يناقش الطبيب المعالج في اختيار الدواء المناسب له واثاره الجانبية. قد يلاحظ المريض بعد عدة أسابيع من استخدام الدواء تحسن ملحوظ في المزاج وتحسن في أعراض الاضطراب بشكل عام.
وفي النهاية تذكري ان هناك طرق علاجية عديدة قد تساعدك في تخطي اضطراب قلق ما بعد الصدمة، فلا تترددي في طلب المساعدة وزيارة الطبيب، ومع الوقت ستجدين أنك تكافحين اضطراب ما بعد الصدمة بفعالية أكبر. فُرصتك في تخطّي هذه المرحلة والعودة لممارسة حياتك الطبيعية من جديد، ستكون أكبر حينما تطلبين المساعدة، وتحاولين فهم ما حصل لك، والبحث بمساعدة الطبيب المختص لإيجاد طرق للتغلب عليه بشكل أفضل.
الكاتب | فريق العمل/المؤلفين: ● شهد الكاف ● هيفاء الداود ● نوف كدسه ● نور الهداب ● ندى القحطاني ● بسمه الرشيد ● ديمه الراشد | مراجعة علمية د. متعب العنزي د. عزام العتيبي |
المراجع | |
المصادر | Post-Traumatic Stress Disorder |