أكتب هذه المقالة لجمعية رفيدة لصحة المرأة، حيث تم طرح هذه القضية كسؤال: بما أن المرأة لديها اهتمامات كثيرة حريصة عليها لها علاقة بمظهرها وشكلها، ماذا لو تم إجراء عملية وكان من آثارها الجانبية التأثير على شيء ظاهري للمرأة كشعرها أو بشرتها أو أي شيء يرتبط بشكلها؟ بحيث لو كانت هذه العملية للرجال لما كان له كبير الأثر ولا كبير القلق، فالسؤال المطروح بشكل أدق هو: هل من واجب الطبيب إخبار المريضة بكافة آثار العملية؟ أو الطبيب هو من لديه الصلاحية بإخبار تلك الآثار أو من عدمها؟ وهل من حق المريضة مقاضاة الطبيب في حالة عدم إعلامها بتلك الآثار؟
قبل الدخول في الجواب على هذا السؤال، لابد أن نعرف أن دراسة هذه القضية لا تكون معزولة عن تاريخ تطور مسألة الإذن المسبق، التي مرت بمراحل عديدة حتى وصلت لما وصلت إليه الآن في الدراسات الحديثة الغربية خصوصا، وليست معزولة أيضا عن ضرورة مقارنة الطرح الغربي بما في أنظمتنا وممارساتنا الفقهية والقانونية والقضائية.
لذا فإني أحب أن أوضح شيئا بسيطا عن مسألة الإذن المسبق من خلال هذه المقالة المختصرة، فأقول إن مسألة الإذن المسبق وصلت لمراحل متقدمة في الغرب أكثر مما وصلنا إليه لكن مع ذلك فإن القواعد القانونية في السعودية يمكنها أن تقبل وتتكيف على كثير من الأطروحات القانونية الغربية.
وقبل الدخول في الجواب عن السؤال المطروح، ينبغي أن أتعرض قليلا للمحة موجزة عن عناصر الإذن المسبق في الممارسة في النظام الأمريكي.
هناك خمس عناصر يجب اعتبارها في الإذن المسبق (Informed Consent) :
- أهلية المريض: على الطبيب أن يقدر قدرة المريض على إعطاء الإذن بالعملية، وذلك من خلال:
- معرفة قدرة المريض على فهم المعلومات الطبية وعواقب اتخاذ قرار حيالها.
- معرفة قدرة المريض على إيصاله القرار إلى الطبيب بشكل شرعي أو قانوني.
- العمر القانوني المؤهل لإصدار القرار، وهو شرط البلوغ الشرعي.
- حجم ودقة المعلومات التي ينبغي أن تكشف للمريض:
- توصيف حالة المريض ومخاطر العملية.
- منافع العملية والمخاطر وحدود خيارات المريض.
- البدائل المتاحة.
- قدرة المريض على الاستيعاب: مقدم الخدمة ينبغي له أن يحاول أن يوصل المعلومة بشكل جيد للمريض بحيث يتم استيعابها من قبل متغلبا ومراعيا كل الحواجز التي قد تعيق هذه المحاولة مثل المرض المانع من الاستيعاب، أو الخوف أو الإنكار، وكذلك الحواجز الثقافية واللغوية إلخ.
- حرية الاختيار من قبل المريض بدون إكراه.
- إعطاء المريض الموافقة بشكل موثق.
ومن المهم أيضا أن نعرف أن عناصر المسؤولية في مسألة الإذن المسبق تتم بتوفر أربعة أركان:
الأول: ثبوت الالتزام بين الطرفين (مقدم خدمة الرعاية الصحية والمريض)، وجود الإيجاب والقبول بين الطبيب والمريض، ويتم بمجرد قبول الطبيب معالجة المريض.
الثاني: وجود الضرر.
الثالث: وجود مخالفة الطبيب أو مقدم الخدمة الصحية في عدم اتباعه المعيار الواجب من إطلاع المريض على العملية ومخاطرها ونسبة نجاحها وبدائلها.
الرابع: العلاقة السببية بين الضرر والمخالفة، بمعنى أن تكون نفس المخالفة في عدم إخبار المريض بالمعيار الواجب قد تسببت في وجود أضرار غير متوقعة من قبل المريض، لأنه لو علم بهذا الخطر لما قام بالسماح للطبيب بلمسه أو بإجراء العملية.
طبعا هنا مسألة هل المعيار الواجب هو الطبيب أو المريض، هناك ثلاث اتجاهات:
المعيار الأول: المعيار الشخصي The Subjective Patient-Based Standard:
بمعنى أن المريض هو المعيار وهو من يحدد ما يجب أن يعلمه مما لا يجب، وهذا المعيار صدرت فيه أحكام قضائية من المحكمة العليا في ولاية أوكلاهوما بالولايات المتحدة الأمريكية في قضية سكوت ضد برادفورد (Scott v. Bradford) عام 1979م.
وسؤال هذا المعيار كالتالي: ما الذي يراه نفس المريض من المعلومات مهما في اتخاذ قرار علاجه؟ فكل مريض وقتها له معياره الخاص.
المعيار الثاني: هو معيار المخاطر المادية أو المريض المعتاد Material Risk Standard:
وسؤال هذا المعيار كالتالي: ما الذي يعتبره المريض المعقول أو المعتاد أو المتوسط من المعلومات مهمّا في اتخاذ قرار علاجه؟
وهذا المعيار يخالف المعيار السابق (الشخصي) حيث يعتبر معيارا موضوعيا إلا أنه يجعل محورية المعيار في خانة المريض.
المعيار الثالث: معيار الأخطاء الطبية المهنية Professional Malpractice Standard :
وسؤال هذا المعيار كالتالي: ما الذي يعتبره الطبيب المعقول أو المعتاد أو المتوسط من المعلومات مهمّا في اتخاذ المريض قرار علاجه بشكل سليم ومقبول؟
وهذا المعيار كالذي سبقه يعتبر معيارا موضوعيا إلا أنه يجعل محورية المعيار في خانة الطبيب.
نعود للنظام السعودي حيث نجد في المادة التاسعة عشرة من نظام مزاولة المهن الصحية تنص على التالي “يجب ألا يجرى أي عمل طبي لمريض إلا برضاه أو موافقة من يمثله أو ولي أمره إذا لم يعتد بإرادته”، فهل هذا النص يفيد في مسألتنا هذه؟
الواقع أن النظام لم يشر بالتفصيل عن موضوع الإذن المسبق وبناء الموافقة على العلم والمعرفة التي يقدمها الطبيب للمريض، إلا أن القضاء في السعودية يعتبر كل ما له علاقة بتنظيم الممارسة الصحية ومنها أخلاقية المهنة وممارستها، فلو اعتمد المريض على طلب معيار الرعاية العرفي في الإذن المسبق لوجد أن القضاء سيعتبر بالمعيار العرفي.
لذا أرى أن القضاء السعودي أكثر مرونة ويعتبر برأي الطبيب ويميل بل ويرجح المعيار الثالث، ويدعم هذا الأمر توجه المنظم السعودي إلى تشكيل الهيئة الصحية الشرعية التي تحكم في قضايا الأخطاء الطبية من أطباء يحكمون معيار الرعاية الواجب لذا هم معبرون عن المعيار الموضوع للطبيب المعقول أو المعتاد.
ومع ذلك فإني أشجع المنظم السعودي أن يهتم بصياغة هذا المعايير والنص عليها في الأنظمة الصحية، والله الموفق.
نبذة تعريفية عن الكاتب:
د. منصور بن تركي الهجلة أحد الخبراء في القانون المقارن، حيث تخرج من كلية الشريعة ثم حصل على ماجستير في الأنظمة من المعهد العالي للقضاء، ثم حصل على ماجستير في القانون المقارن من كاليفورنيا، ثم ماجستير ودكتوراة في القانون الصحي من جامعة وايدنر بالولايات المتحدة الأمريكية، يقود د. منصور الآن مشاريع الأنظمة المستقبلية المقترحة في القطاع الصحي في برنامج تحقيق الرؤية بوزارة الصحة