في التعامل مع المرضى والحديث عنهم ننسى احياناً ان المريضة إنسانة مصابه بمرض .. فهي لا تختزل في هذا المرض. في هذه المقالة تحدثنا الدكتورة سامية العامودي عن حقوق الإنسانة المصابة بمرض السرطان في فترة الحمل حيث نلتفت للوعي الإنساني بحقوقها وبحقوق الجنين:

تعتبر إصابة السيدة الحامل بالسرطان معضلة حقيقية أو لو حملت السيدة المصابة وهي لا زالت تحت العلاج، هنا تتداخل الحقوق الصحية والجوانب الشرعية، والأخلاقيات الطبية، حيث أن هناك حقوقاً صحية للسيدة الحامل، في نفس الوقت هناك حقوقاً صحية للجنين.

لقد كرَم الإسلام الجنين وجعل له حقوقاً منذ لحظة الإخصاب، وأولها حق الحياة فجاء تحريم الإجهاض، ووضعت له اللجان الفقهية ضوابط بالاتفاق مع المؤسسات الطبية، بحيث لا يتم الإجهاض إلا لو كان هناك خطر محقق على حياة الأم وصحتها من استمرار الحمل، وبحيث تراعى مدة الحمل والوضع الصحي للسيدة الحامل.

كما أن الحقوق الصحية للجنين تحتم على المرأة عدم تعاطي مواداً ضارة بصحة الجنين فترة الحمل ولذا تعاقب المرأة على تعاطيها الكحوليات والمخدرات مثلاً، وبالتالي يجب الحرص عند اتخاذ القرار بعلاجها بالعلاج الإشعاعي أو الكيميائي، فبعض هذه العلاجات قد تؤدي على حدوث تشوهات أو ضعف في نمو الجنين، حسب فترة الحمل التي تم التعاطي فيها حيث تعتبر الأشهر الثلاثة الأولى هي مرحلة التخلق وينبغي اتخاذ الحيطة فيها، كما أن هناك ضوابط طبية تنظم هذه الحقوق حسب نوع السرطان ومرحلته ومدة الحمل وغير ذلك من الاعتبارات الطبية التي تحمي للمرأة حقوقها الصحية وللجنين أيضاً حقوقه، وتظل القاعدة ان الأم هي الأصل والجنين هو الفرع.

من المهم أيضاً ان يدرك الفريق المعالج أن اتخاذ القرارات هنا باستمرار الحمل أو إنهاؤه، وبإجراء الفحوصات، أو البدء بالعلاجات كل هذه الأمور تحتاج إلى مناقشة كلا الزوجين أولا، ثم مراعاة الحقوق الصحية للمرأة وحقها في الاختيار، ومناقشة هذه الخيارات ليست ترفاً لكنها واجباً أخلاقياً وحقوقاً صحية.

 

  • حق المريضة في معالجة الألم هو حق إنساني:

تعتبر معالجة الألم لمرضى السرطان جزءاً أساسياً من خطة العلاج منذ يوم التشخيص وحتى وفاة المريضة، وتعتبر جودة الحياة ونوعيتها أمراً مهماً، كما أنه من المهم أن تقضي المريضة أيامها الأخيرة بدون ألم وترحل في سلام.

من المعروف عالمياً أن معالجة الألم غير كافية في كثير من الحالات، لأسباب مختلفة تتعلق بثقافة المجتمع، ولأسباب سياسية واقتصادية، وأسباب دينية عند بعض المجتمعات، وكذلك لأسباب تتعلق بالموقف من الممارسة الطبية والتدريب الطبي لأسباب مختلفة .

لهذا بدأ كثير من الممارسين الطبيين في الالتفات الى هذه الجزئية، والتي لا تقتصر على كونها واجب أخلاقي أو واجب طبي، بل بدأ التركيز على كونها حق من حقوق الإنسان وهذا ما يجب أن يعتمد عليه ويدركه الممارسين الطبيين.

ومن المهم جداً ان ندرك حق المريضة في المشاركة في القرارات الطبية الخاصة بمعالجة الألم، وأن يتم إدراك معاناتها، وحقها في مواجهة آلامها القاسية ومعالجتها، وفهم كل ما يتعلق بالألم وطرق معالجته وغير ذلك من تقديم المعلومة الكافية التي تكفل له حق المعرفة، وهذا هو التمكين الصحي الذي هو حق من حقوق مرضى السرطان.

 

  • حق الحصول على المعالجة التلطيفية وحق عدم الإنعاش الرئوي:

من أساسيات حقوق مرضى السرطان الصحية الحاجة إلى خطة علاجية متكاملة، وخاصة عندما يكون المريض في مراحل متقدمة من المرض، ويحتاج إلى رعاية تكاملية تعني بالجوانب الصحية والنفسية والمجتمعية والمعنوية.

ومن حق مرضى السرطان توفير هذه الرعاية لهم في مراكز متخصصة ومتقدمة، حتى يقضوا بقية مراحل حياتهم بشكل يكفل لهم توفير كل هذه الاحتياجات، خاصة توفير الجو المناسب والعناية بمضاعفات المرض ومضاعفات العلاجات، والعناية بالتغذية والنظافة وتوفير المسكنات وتخفيف الألم.

ويزداد الوضع صعوبة عندما تصل مريضة السرطان إلى مراحلها النهائية من انتشار الورم، ويقر الأطباء الثقات بعدم جدوى العلاج هنا تحتاج المريضة إلى كثير من الدعم النفسي ، وتحتاج إلى الرعاية التلطيفية واستمرار الطاقم الطبي في توفيرها بالكامل.

كما أن من حق المريضة العاقلة البالغة أن يتم تبليغها بالوضع الصحي، والمعلومات الضرورية التي تساعدها على اتخاذ بعض القرارات التي تود القيام بها، مثال على ذلك القيام ببعض الواجبات الدينية التي تقدر صحياً على الوفاء بها، او كتابة وصيتها إذا لم يكن قد تم ترتيبها قبلاً، او الوفاء بدين عليها.

وفي الحالات المتقدمة يحتاج الطبيب إلى اتخاذ قرارات صعبة بخصوص عملية الإنعاش الرئوي للمريضة المتقدمة حالتها، وهنا من حق المريضة إذا كان لا تزال مالكة لوعيها وقواها العقلية أن تشارك في اتخاذ القرار، وينص النظام على ضرورة قيام ثلاثة أطباء ثقات باتخاذ القرار النهائي، وتسجيل هذا القرار الطبي في ملف المريضة، وهذا ما نصت عليه الفتوى الشرعية بجواز هذا الإجراء (رقم الفتوى 12086 والصادرة في 30/8/1409 هـ من الهيئة السعودية للفتوى والشؤون الإسلامية).

 

 

 

الكاتب  سامية العامودي

استشارية نساء وتوليد وعقم وأستاذ بكلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.

للمزيد عنها 

المراجع
 كتاب : الحقوق الصحية الإنجابية لمرضى السرطان