حمية الكيتو بين النجاح السريع والمخاطر الخفية: قراءة علمية متوازنة
سبتمبر 2025
إعداد وكتابة : أخصائية التغذية العلاجية أ. جمانة صالح العوفي
مقدمة:
تُستخدم كلمة "الحمية" عادةً للدلالة على الامتناع عن تناول نوع معيّن من الطعام أو الشراب لتحقيق هدف صحي أو جمالي، مثل إنقاص الوزن أو تحسين الصحة العامة أو الشعور بالرفاهية. وبمعناها الأوسع، تشير الحمية إلى نظام غذائي محدد يتّبعه الفرد لفترة معينة — من أسابيع إلى أشهر — وفق بروتوكول معيّن يحدّد نوع وكميات الأطعمة والمشروبات التي تُستهلك يوميًا.
منذ القدم، تبنّت الشعوب حول العالم أنظمة غذائية متنوعة، بعضها مستمر حتى اليوم لما له من فوائد صحية مثبتة علميًا. ومن أبرز هذه الأنظمة حمية البحر الأبيض المتوسط، المستوحاة من العادات الغذائية التقليدية لشعوب المنطقة، والتي تعتمد على استهلاك الأطعمة الطازجة من الزراعة المحلية والمأكولات البحرية وممارسة النشاط البدني المنتظم. وقد أثبتت الأبحاث أن هذا النمط من الحياة ينعكس إيجابًا على الصحة العامة وجودة الحياة.
أما حمية الكيتو، فقد طُوّرت في الأصل عام 1921 بواسطة طبيب لمعالجة مرض الصرع (1)، إذ تعتمد على تقليل تناول النشويات (الكربوهيدرات) وزيادة استهلاك الدهون والبروتينات، بهدف رفع مستوى الكيتونات في الدم والبول. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه الحمية شهيرة كطريقة لخسارة الوزن.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل حمية الكيتو وسيلة فعّالة وآمنة لخسارة الوزن على المدى الطويل؟
تتفاوت الإجابات بين الخبراء؛ فبينما يرى البعض أنها ناجحة على المدى القصير، يؤكد آخرون أنها غير مستدامة وتؤدي إلى آثار جانبية سلبية عند اتباعها لفترات طويلة. فالكربوهيدرات عنصر أساسي لا يمكن الاستغناء عنه تمامًا، إذ تغذّي البكتيريا النافعة في الأمعاء وتلعب دورًا محوريًا في توازن الجهاز الهضمي والصحة العامة.
تشير الدراسات إلى أن الكربوهيدرات والدهون تُنشّطان مركز المكافأة في الدماغ، مما يفسر شعور السعادة عند تناول الأطعمة الغنية بهما. وقد أثبتت أبحاث إكلينيكية أن تناول هذه الأطعمة ينشّط مستقبلات عصبية مرتبطة بالمتعة والتحفيز، فالنشويات والدهون تنشط هذا المركز ؛ ولذلك نحن نشعر بالسعادة عندما نتناول وجبة تكون غنية بهذين العنصرين (2-3).
الآثار السلبية لحمية الكيتو:
رغم ما تقدّمه الكيتو من نتائج سريعة في خسارة الوزن، فإنها ليست خالية من المخاطر. فالكيتو قد تساعد على خسارة الوزن في فترة وجيزة، إلا أن هذه الفائدة لا تقتصر عليها وحدها، إذ يمكن تحقيق نتائج مماثلة من خلال أي نظام غذائي صحي ومتوازن مقارنة بالنظام الغذائي السابق غير الصحي.
لكن، ورغم هذه الفوائد، فقد أظهرت عدة أبحاث وجود آثار سلبية مرتبطة باتباع الكيتو لفترات طويلة. فعلى سبيل المثال، بينت الدراسات المخبرية على الفئران أن الالتزام المستمر بحمية الكيتو قد يؤدي إلى ضعف في تحمل السكر في الدم (4).
وفي عام 2024، نشرت مجلة Cell Reports Medicine—وهي إحدى المجلات العلمية المرموقة—دراسة سريرية أظهرت أن الأشخاص الذين اتبعوا الكيتو لفترات طويلة أصيبوا بضعف في تحمل السكر في الدم، أي أن أجسامهم فقدت القدرة على التعامل بكفاءة مع الكربوهيدرات عند إعادة إدخالها إلى النظام الغذائي.
تُوضّح هذه النتائج أن الجسم، عند حرمانه من الكربوهيدرات لفترة طويلة، يفقد تدريجيًا كفاءته في معالجتها عند تناولها مجددًا. ولأن النشويات تُعد عنصرًا غذائيًا أساسيًا لا يمكن الاستغناء عنه، فإن الاستبعاد التام لها ليس خيارًا صحيًا على المدى البعيد.
إضافةً إلى ذلك، قد تتسبب حمية الكيتو في اختلال توازن بكتيريا الأمعاء، إذ تعتمد هذه البكتيريا النافعة على الألياف الغذائية الموجودة في النشويات المعقدة كمصدر رئيسي للغذاء. يؤدي هذا التغيّر في توازن الميكروبيوم إلى آثار سلبية على صحة الجهاز الهضمي والمناعة، نظرًا للدور الحيوي الذي تلعبه بكتيريا الأمعاء في دعم وظائف الجسم المختلفة (4).
وتُوضَّح أبرز هذه التأثيرات في الشكل (1) أدناه، والذي يستعرض أهم الآثار السلبية المرتبطة باتباع حمية الكيتو على المدى الطويل.
تأثير خسارة الوزن المفاجئة على المرأة:
يُعدّ مجال الطب والتغذية الشخصية من الاتجاهات الحديثة والواعدة في العالم المعاصر، إذ لم تعد النصائح العامة التي تُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي صالحة للجميع. فكل شخص يختلف عن الآخر من حيث التركيب الجيني، والظروف الصحية، ومدى استجابته لأنواع مختلفة من الأنظمة الغذائية، وهو ما يُعرف اليوم بمفهوم "التغذية الشخصية".
عندما تُقلَّل السعرات الحرارية لدى المرأة بشكل مفاجئ — خصوصًا عند اتباع حمية غير مصممة أو غير خاضعة لإشراف طبي أو تغذوي متخصص — تظهر آثار سلبية على الصحة العامة والخصوبة (5).
فعلى المستوى الفسيولوجي، عندما ينخفض استهلاك السعرات بشكل حاد، يُفسّر الجسم ذلك كإشارة على حالة مجاعة، فيبدأ بخفض الطاقة المصروفة على الوظائف غير الضرورية للبقاء، ويُركّز على حفظ الطاقة الأساسية لاستمرار الحياة.
نتيجة لذلك، تقل الطاقة الموجهة للنشاط البدني ووظائف الجسم الحيوية، مما يؤدي إلى شعور بالإرهاق والتعب العام. ويمكن تشبيه ذلك بمن يقلل نفقاته المالية عند نقص رصيده البنكي، فيتوقف عن الأنشطة غير الضرورية مثل الترفيه أو التنزه. وبالمنطق ذاته، يُقلل الجسم الطاقة المخصصة لإنتاج الهرمونات المسؤولة عن الخصوبة، مما ينعكس على انتظام الدورة الشهرية ووظائف الجهاز التناسلي.
ولذلك، يُوصى باتباع نهج خسارة الوزن التدريجية والمنطقية، بحيث يتم خفض كمية السعرات اليومية تدريجيًا (مثل تقليل 200 سعرة من احتياجك للطعام وزيادة النشاط البدني بما يعادل 300 سعرة)، مما يحقق عجزًا معتدلًا في حدود 500 سعرة حرارية يوميًا. هذا الأسلوب يُسهم في تحقيق فقدان وزن صحي ومستدام دون إحداث صدمة فسيولوجية للجسم أو التأثير سلبًا على التوازن الهرموني والخصوبة.
الخلاصة: ما هو الحل؟
قد لا تكون زيادة الوزن ناتجة فقط عن نوع النظام الغذائي، بل عن الإفراط في تناول النشويات والسكريات المضافة، أو قلة تناول البروتينات الضرورية للشبع وبناء العضلات. في مثل هذه الحالات، يمكن للحمية الغذائية أن تكون وسيلة فعّالة لتنظيم الوجبات والتخطيط الغذائي اليومي للوصول إلى الهدف المنشود.
من المهم النظر إلى الحمية على أنها وسيلة مؤقتة للتعلّم والتصحيح، وليست غاية بحد ذاتها. فالغرض منها هو اكتساب مهارات تساعدك على فهم احتياجات جسمك، وتعلّم كيفية التخطيط لوجباتك بطريقة متوازنة. وبعد انتهاء فترة الحمية، يمكنك العودة إلى نظامك المعتاد، مع دمج العادات الصحية الجديدة التي اكتسبتها.
الهدف الحقيقي ليس الحرمان أو التقيد الصارم، بل تبنّي نمط حياة صحي متكامل يجمع بين تغذية سليمة، وصحة نفسية متوازنة، ونشاط بدني منتظم.
أما الحرمان المفرط أو النظرة السلبية تجاه بعض الأطعمة فقد يقود إلى اضطرابات في العلاقة مع الطعام. لذا، إن رغبتَ في تناول قطعة من الحلوى، افعل ذلك بوعي واستمتاع، دون شعور بالذنب أو تأنيب الضمير.
فالحياة الصحية لا تعني الكمال، بل التوازن — ومع كل يوم جديد، يمكنك البدء من جديد بخطوة صغيرة نحو حياة أكثر توازنًا وسعادة.
المراجع:
Wheless JW. History of the ketogenic diet. Epilepsia. 2008 Nov;49:3-5.
Hoch T, Kreitz S, Gaffling S, Pischetsrieder M, Hess A. Manganese-enhanced magnetic resonance imaging for mapping of whole brain activity patterns associated with the intake of snack food in ad libitum fed rats. PLoS One. 2013 Feb 7;8(2):e55354.
Hoch T, Kreitz S, Gaffling S, Pischetsrieder M, Hess A. Fat/carbohydrate ratio but not energy density determines snack food intake and activates brain reward areas. Scientific reports. 2015 May14;5(1):10041.
Hengist A, Davies RG, Walhin JP, Buniam J, Merrell LH, Rogers L, Bradshaw L, Moreno-Cabañas A, Rogers PJ, Brunstrom JM, Hodson L. Ketogenic diet but not free-sugar restriction alters glucose tolerance, lipid metabolism, peripheral tissue phenotype, and gut microbiome: RCT. Cell Reports Medicine. 2024 Aug 20;5(8).
Sun J, Shen X, Liu H, Lu S, Peng J, Kuang H. Caloric restriction in female reproduction: is it beneficial or detrimental?. Reproductive Biology and Endocrinology. 2021 Dec;19:1-1.